|
(الرموز والتناظر الفعلي مع حركة الحياة )
(الرموز والتناظر الفعلي مع حركة الحياة )
(الرموز والتناظر الفعلي مع حركة الحياة )
قراءة نقدية لمجموعة:( رسائل حنين )
|
|
عندما يستطيع النص أن يختزل الكثير من محاور اللغة ويبقى المعنى في عمق مسالك هذه اللغة, يكون هذا النص محملا بالكثير من الانزياح الذي يؤدي إلى تركيب الصورة الشعرية بزخم كبير بحيث يشعر المتلقي بعمق لحظة انتماء الشاعر الى القضية أو الفكرة التي تكون هي المحور في الأحاسيس الداخلية لهذا الشاعر حيث يبني الجملة الشعرية وفق تقارب اللغة من ملامسة هذه الأحاسيس, لهذا يمتد المعنى في عمق المدارك الشعرية التصويرية, مما جعل الصور الشعرية مشعة بأطياف الصورة المتكاملة بشكل يعطي إلى خيال المتلقي مساحات واسعة من التأويل، لأن الرؤيا هي مَن كونت المحور الدلالي, بقيت في عمق مسالك للغة لأن الدلالة ترادفت مع الاستعارة الذهنية للمدرك الحسي في تكوين الصورة الشعرية.
وقد استطاع الشاعر حسن حجازي بمجموعته "رسائل حنين" أن يحقق التوازن النفسي اللغوي وفق صيغة الامتداد الزمني في تاريخ القضية المُعبر عنها وخصوصا حين يكون الوطن هو مركز البؤرة في نقل مشهدية التصوري الواقعي لهذا لقضية (الوطن)، وهذا ما جعل أن يبقى الانزياح ثابت الاستعارة مع البقاء على حركة الصورة الشعرية المتنقلة ما يجعل الصورة الشعرية مركبة على قدر المشاعر النفسية داخل النص، أي أن بؤرة النص بقيت تشع وفق تناسق شتات الرؤى وبإيقاع لغوي تصويري.
"ونظلُ نكتبُ ونكتبُ /لا ندري هل حقاً / نحنُ الذينَ نكتبُ؟ /أم يكتبنا الورقْ؟!"
حين تصبح القضية مجرد كتابة على الورق بعيدا عن أحداث التغير في الوقع يخرج الواقع الحتمي للتغيير عن إداة التعبير في القضية التي يريد الشعب أن يحققها لأن ليس دائما الكتابة حالة شرطية للتغير بل هو الأهم من كل هذا هو امتلاك الشعب الأداة التي توصله الى تحقيق ما يريد أن يصل به الى واقع يحقق من خلاله كل طموحاته في الحياة.
أي أن الكتابة ليس دائما انعكاس لوصول الشعب الى مبتغاه في الحياة لهذا تضيع الدروب في حلم الشعب ويصبح الوراق هاجس وروقي متبعثر بين طيات الأوراق لأن الوصول الى غايات الشعب هو الفعل الجوهري بمقاربة الحلم مع الواقع والارتكاز هنا فقدان قيمة الكتابة إذا لم تمثل طموحات الشعب في الواقع الحقيقي والمتناظر ما يُخطط له في الكتابة.
وصحيح أن ثورات الشعوب تحدد من خلال ما يُكتَب من أهداف لهذه الثورات لكنها تبقى مجرد مسلمات ورقية لا أهمية لها إذا بقيت فقط على الورق دون العمل من أجل تحقيقها، والشاعر هنا استطاع أن يحدد ثوابت الفرق بين آمال الشعوب على الورق وبين ما يتحقق منها على الواقع:
"نحنُ الذينَ نكتبُ؟ / أم يكتبنا الورقْ؟!"
أي أن الكتابة التي لا فعل لها تبقى مجرد ورق.
يقول الشاعر:
"صرنا نغتال الأحلامْ / نترحم على لحظة أمنٍ / عشناها / في زمنِ القهرْ / صرنا نترحمْ / على لحظةِ صدقٍ / موءودة في رحمِ الأيامْ / حتى لو كانت وهماً / لنجني ثمرةَ حلمٍ / في وعدٍ منسوجٍ / بخيوطِ الدمْ /في عهودٍ من ظلامْ / من أنينْ / أفقْ يا شعبْ / فالحلمُ يضيعُ / بينَ اليسارِ / وبينَ اليمينْ / بينَ تجارِ العولمة / وأنصارِ الدينْ!".
عندما تضيع المسافة المقترنه بين الدالة ومدلوها تختلط الأشياء مع بعضها البعض وتتحول الى فوضى وينحرف التوجه الذي أوجد من أجلها المعنى الذي يريد له الوصول بهذا المدلول الى دالته، ونجد هنا أن طريق الثورة التي قام بها الشعب من أجل إحداث التغيير الذي يلبي طموحاته في الحياة، ويحقق كل ما يحلم به من المساوات والعدل الحقيقي لكل أحلامه وآماله.
نجد هنا انحراف كل شيء عن مساره المراد له أن يتحقق وتصبح القوى التي شاركت بالثورة قد انحرفت عن طموحات الشعب ولا تريد أن تحقق إلا ما هي تسعى إليه حتى لو كان هذا السعي خارج آمال الشعب الذي حقق الثورة وانتصر لها حيث يعود كل شيء عكس كل هذه الآمال والأحلام ويصبح الترحم والتمني على الزمن ما قبل الثورة هو ما يتمناه رغم الظلام والقهر الموجود به في الزمن الذي سبق الثورة:
"صرنا نغتال الأحلامْ / نترحم على لحظة أمنٍ / عشناها / في زمنِ القهرْ / صرنا نترحمْ / على لحظةِ صدقٍ / موءودة في رحمِ الأيامْ / حتى لو كانت وهماً / لنجني ثمرةَ حلمٍ".
أي أن الثورة لم تعد حقيقية بل ثورة انحرفت باتجاه القوى التي لا تفكر إلا بنفسها وانحرافاتها ولهذا يضيع كل شيء من الأحلام والأماني ما بين تلك القوى ما بين اليمين واليسار وأصبحوا هولاء مجرد تُجار لمسميات هم أرادوها لهم وحدهم وكأنهم من يحدد مصير الثورة وأرادتها، وقد اتخذوا من الدين مجرد شعارات لا علاقة لها بالدين الحقيقي بل هو ستار يتخفون تحته من أجل تحقيق ما يريدون:
"في وعدٍ منسوجٍ / بخيوطِ الدمْ /في عهودِ من ظلامْ / من أنينْ / أفقْ يا شعبْ / فالحلمُ يضيعُ / بينَ اليسارِ / وبينَ اليمينْ / بينَ تجارِ العولمة / وأنصارِ الدينْ!"
وهذا ما نجده فيما حدث من التغيرات تحت مسمى الربيع العربي, والشاعر استطاع هنا أن يعبر بطريقة توحي بضياع أحلام الشعب حين يكون القادة لأي ثورة لا يمثلون الجوهر الحقيقي للشعوب ولا يسعون لتحقيق طموحات هذه الشعوب بقدر ما يسعون لتحقيق ما يسعون له وحدهم تحت أي ستار يتخفون تحته.
• نص رسالة .... إلى الحاكم بأمر الله!
"كلما عَلَت بيننا الأسوارْ / وضاعت لغةُ / التسامحِ والحوارْ / إعلم أنَ مصرَ / تنزوي / وجبينها الحرُ / ينحني / ومن صنوفِ الذلِ / ترتوي / ورصيدكَ من الحبِ / ينثنى / وتغربُ عنها / شمسُ النهارْ".
ويستمر الشاعر بالتعبير عنما حدث من ثورة في مصر من أجل تصحيح الأوضاع فيها لكي يصل الشعب المصري الى ما يريده وما ينشده من حياة كريمة بعيدا عن الاستبداد والظلم, لهذا لا تخضع أو تنزوي مصر الحرة الى من يريد أن يبعدها عن رسالتها الحقيقية في الحياة, ولأنها تعرف شمس النهار, ولا يمكن أن تغرب عنها هذه الشمس مهما صنعوا حولها من أسوار من أجل أن يخنقوا حريتها, ويبقى الأمل في حب الحياة والتغيير من أجل غد أفضل, فحكم الله لا يأتي إلا من أجل الشعب وليس من أجل الحاكم.
• "نص المحروسة ... وقميص عثمان"!
"بينَ قميصينِ حائرة, / بينَ عهدين ناظرة, / تتعثر خطاها / بينَ الوعدِ والوعيدْ / الأول: (لعثمانْ) / والثاني: (ليوسف) الصِديقْ . / قميصٌ: / يزرعُ الفتنة / ويسدُ أبوابَ الأملْ / وينأى بها وأحلامها / بعيداً .. بعيداً .. عن الطريقْ / وقميصٌ تنتظرُ بهِ حبيبَها: / "يوسُفها" / لينتشلَ الأملْ / يروى السنينَ العِجاف / يُمسكُ بالمجدافْ / يأخذُ الدَفة نحو الغدْ /نحو الشطْ / وينجو بالغريقْ / يعيدُ لعينيها الحياة / وطوقَ النجاة / لينتشلَ من اليَمِ / ألفَ غريقٍ وغريقْ / ضاعَ منهم الأملُ / وغابَ عنهم الدليلُ / في سوادِ الليل / فتاهت معالمُ الطريقْ".
الذي يميز نصوص الشاعر حسن الحجازي هو استحضار الماضي من التاريخ لكي يفك رموز الحاضر ضمن نسق المقاربات المعنوية ما بين الحاضر والماضي, ويشعر المتلقي أن الشاعر يؤكد على حالة أن الحاضر ما هو إلا امتداد حتمي للماضي وأن حركة الحياة في تاريخ أي شعب من الشعوب ما هي إلا انعكاس لهذا التاريخ وهنا قد جاء بهذه الرموز (قميص عثمان) و(قصة يوسف) لكي يمسك التبرير الذي يحدث في الحاضر محاولة منه من أجل رصد حركة هولاء الذين يجدون التبرير لأفعالهم من خلال تداخل المقاربة بين هذه الرموز التاريخية والدينية، وقد استحضرها الشاعر ليبين حجم الوعي التاريخي والديني للشعب، وأن كل هذه التبريرات لا يمكن أن تمر دون أن يكتشفها ويحددها لأن هذا الشعب هو صاحب التاريخ وصانعه ولا يمكن أن يسرقوه منه مهما حاولوا أن يلونوا أفعالهم بهذه التبريرات لهذا تبقى مكشوفة وفاضحة لكل أعمالهم التي لا تتطابق مع طموحات هذا الشعب وآماله في الحياة، لأن هذه الرموز أصلا هي تاريخ الشعب نفسه فكيف تمر عليه وهو واعيها ومحدد لها:
"بينَ قميصينِ حائرة, / بينَ عهدين ناظرة, / تتعثر خطاها / بينَ الوعدِ والوعيدْ / الأول: (لعثمانْ) /والثاني: (ليوسف) الصِديقْ. / قميصٌ / يزرعُ الفتنة".
واستطاع الشاعر أن يحدد الرموز ماذا تعني في تاريخ الشعب لكي لا تمر الفتنة التي يريدون أن يخلقوها بين هذا الشعب, لأنهم قد انحرفوا عن الطريق الذي يريد أن يصل إليه في الحياة فلا تبرير أمام هذه الانحرافات عن الطريق الذي يسلكون لأن الحياة يجب أن تستمر خارجهم، وكما يريده هذا الشعب وما يسعى إليه:
"ويسدُ أبوابَ الأملْ / وينأى بها وأحلامها / بعيداً .. بعيداً .. عن الطريقْ / وقميصٌ تنتظرُ بهِ حبيبَها: / "يوسُفها" / لينتشلَ الأملْ / يروى السنينَ العِجاف / يُمسكُ بالمجدافْ / يأخذُ الدَفة نحو الغدْ / نحو الشطْ / وينجو بالغريقْ / يعيدُ لعينيها الحياة".
وهذا الوعي هو الذي يمنع الشعب من الوقوع في الفتنة التي يريدها هولاء المتلبسون بهذه الرموز التي هي لا تؤدي الى تبرير الأنحراف الذي يسلكون, لهذا سيكون الغد هو للشعب لا ضده وسوف تعود الحياة كما يريدها هو لا كما هم يريدون:
"وطوقَ النجاة / لينتشلَ من اليَمِ / ألفَ غريقٍ وغريقْ / ضاعَ منهم الأملُ / وغابَ عنهم الدليلُ / في سوادِ الليل / فتاهت معالمُ الطريقْ".
فلن ينفعهم طوق النجاة حيث يحاسبهم الشعب بسبب خداعهم وكذبهم عليه لأنهم أصبحوا مكشوفين لهم ولم تعد كل هذه التبريرات إنقاذا لهم لأنهم فقدوا معالم الطريق الحقيقي الذي يجب أن يسلكوه من أجل تحقيق ما تريده شعوبهم لا ما يريدون هم, وبعدها لن يأخذوا دفة الغد بل الغد هو للشعب لأنهم ما هم إلا سواد الليل. لهذا سيغرقون بأفعالهم هذه بعيدا عن غد هذه الشعوب".
• نص عبور .. نحو الغد
"وعُدْ من حيثُ أتيتْ / لكهفكَ المعزولْ / ووعدِكَ المأمولْ / فقد ولّى عصرُ العبيدْ قد / مصرُ الأنَ تنهضْ / مصرُ الآنَ تُبعَثُ / وحقِ الله /تُولَدُ من جديدْ!".
وبعد أن حدد الشاعر الانحراف عن طريق الشعب والتبريرات التي يريدون هولاء أن يبررها وقد أصبحت مكشوفة, لهذا سوف تحدث الثورة من جديد لتعيد الحياة التي يريد أن يحققها الشعب لأن لم تعد هذه الأعمال تمر أمام شعبٍ يعرف أين تكمن حريته ومصيره, وسوف تعود مصر تنهض وتولد من جديد لأن عصر العبيد قد ولّى والآن الشعب هو من يمتلك أرادته وحريته:
"مصرُ الأنَ تنهضْ / مصرُ الآنَ تُبعَثُ / وحقِ الله / تُولَدُ من جديدْ".
والشاعر استطاع أن يحدد عمق الانحراف عن طريق الشعب ما يريدون هؤلاء من أجل زرع الفتنة وسلب حرية الشعب المصري، ولكن الشعب المصري يعي كل ما يدور حوله لهذا جاءت ثورة التصحيح لتعيد للشعب المصري كل أحلامه وآماله التي أرادوا هولاء أن يسلبوها منه بالكثير من الحجج مرة باسم الدين ومرة باسم اليمين واليسار ولكن الشعب المصري استطاع أن يكشف هوؤاء ويقوم بالثورة الحقيقية التي تعيد كامل حقوقه وأهدافه في الحياة.
والشاعر استطاع بالأنساق البسيطة بالتعبير العميق بالتوجه لكي لا يخلق الإرباك في الوصول الى المعنى الجوهري في إدراك الدالة الموحية بالمدلول الواضح وقد استخدم الرموز لكي يثبت التناظر الفعلي ما بين حركة الحياة وتاريخ الشعب المصري وقدرته على كشف كل ما يضر بتاريخه والذي يؤدي الى الانحراف عنه، وقد استطاع أن يحقق الحقول الدلالية من خلال الرؤيا التي تحقق المستوى الفهم في الخطاب الشعري كاشفا أهمية الرموز في إحداث المناظرة بينها وبين من يريد أن يحرفها عن معانها التاريخي في وجود الشعوب ضمن الدلالات الفكرية الموحية لهذه الرموز الحية والغنية لكي لا تنحرف عن موضعها خارج نسقها الحي والصحيح وضمن مدى تأثير هذه الرموز وما توحي في الحياة والتاريخ.
بقلم: عباس باني المالكي
العراق
|
كتبت بواسطة : Øسن Øجازي Øسن
Warning: Undefined array key "appearDate" in /home/u243077467/domains/arab-ewriters.com/public_html/data.php on line 76
21/11/2024
لا يوجد تعليقات
|
|