خمــــــــــــــــــــــــــــارة عندما طلب كأ س أخرى لفظ المصباح المعلق في سقف الحانة أنفاسه الأخيرة .
ساد صمت بغير العادة لبرهة ليست بقصيرة , قطعه صوت احدهم
- من عندنا أم من عندهم
رد عليه آخر
- لافرق .....صرخ أحدهم بصوت عال
- ماهذا الحظ كادت( الطاسة) أن تفرغ مشيرا إلى رأسه – بدا ذلك واضحا من صوت ارتطام كفه بشيء على الأغلب رأسه -.... أين الكأس التي طلبت أجابه صاحب الحانة باشمئزاز
- هاهي إنا قادم .... ليتهم يتذكرون واجباتهم تجاهنا مثلما يتذكرون موعد قطع التيار- وبهذه الدقة.-. يعود الصمت ليتخلله قرقعة كأس بأخرى
- بصحتك ..
- وبدهشة .. كيف استطعت أن ترى كأسي !!!!!!
- قهقهةٌ بصوت عال تخرج من خلالها كلمات أُكلت نصف حروفها.... وهل استطيع أن أرى غيرها
- حتى في العتمة ؟؟؟؟
- غريب !!؟؟ وهل كنت ترى نورا ؟ الست مغمورا بعتمة وعفونة منذ ولادتك ؟؟؟
- هذا صحيح وإلا كيف كنت سألتقي بك ها هنا مشيرا بإصبعه ضاربا بها الطاولة بقوة فتصيب طرف صحن فيه بعض من البزر أو قشوره لافرق المهم أن مابه أصبح على الأغلب يزيّن رؤوس وثنايا ثياب الجميع
- اللعنة .... يأخذ رشفة من كأسه
- أخذت كأسي أيها الحقير
- إنها لي
- لا.. هي لي أنا
- إذا أين كأسي يتناول كأساً أخرى تبدو فارغة ..... لقد شربتها ؟؟؟؟! وتحاول السطو على كأسي ؟؟؟؟!!!
- وهل تسمي هذا سطواً ؟؟ ماذا تسمي مافعلوه بالتاريخ عندما مزقوه وصنعوا منه تمثالاً لاتستطيع أن تراه الا كما يريدون
- انا لادخل لي بالتاريخ اعد لي كأساً ملآناً وخذ العالم
- وما يفيدك كأس إذا كان العالم ملكي ؟
أيها الغبي لماذا أقاتل من اجل هذا الكأس ؟؟؟ أليس لأن العالم أصبح ملكاً لهم ليس لك وليس لي ولا أملك أن أعطيك إياه؟؟؟؟؟؟؟؟ وليس لنا فيه أنا وأنت إلا مابداخل هذا الكأس حتى هذا صدقة ! ..... أُصاب بالذعر عندما أحس أن الفناء سيصيب المتصدقين . يأتي صوت وكأن صاحبه استفاق من نوم عميق
- قل لي ياسيد وصدقة القدح الواحد بكم من مثله ؟؟؟
- تعليق من صاحب الحانة : بسبعة أقداح تُدفع فورا وهي لي بذمتك حتى الآن
- هل سيدوم هذا الظلام طويلا ؟
- عن أي شيء تتحدث يارجل !!!!! وهل رحل هذا الظلام يوما ؟؟؟!! مستطردا.. هل تذكر آخر مرة رأيت فيها نورا حقيقياً ؟؟
- نعم اذكر ... نعم اذكر جيداً ..... كان لامعاً كنور البرق..... لايدوم طويلا لكنه يخطف الأبصار......... كان ذلك عندما قال لي مستخدم المدرسة لقد نجحت حصلت على الشهادة الثانوية ....سمعت صراخ أبي اذهب إلى العمل لاأستطيع أن اصرف عليك .... وزعقت أمي في وجه أبي ليس لك مكان في قلبي .... وسال دم الشرف مضَرجاً يد أبي الرافع الرأس عاليا منذ تلك اللحظة بدأ النور يتلاشى خلف رأس أبي المرفوع .. ويزداد السواد كلما اقتربت هامتي من الأرض تبحث عن أي شيء فيه بصيص من نور فلا أجد إلا هذا الكأس .
- هل نستطيع أن نقول أن أمك ........
- تستطيع أن تقول ذلك وحتى أبي ..... ولايهمني ذلك فقد صغت تعريفا خاصا بي للشرف والعار والتضحية وو ... والتزمت به
- هنيئا لك ....بكثير من السخرية والتهكم وهو يصب الخمر في كأس يُسمعُ ذلك واضحا من خلال صمتٍ يلفه الظلام تهتك حرمته تنهيدة عميقة مع اووووووف
- هل تريد الغناء؟؟.. أرجوك دعنا فلاتزيد أوجاعنا بآهاتك المقرفة
- لاأريد الغناء .. لقد تذكرت ذلك الضوء الذي بدا خافتا ثم كبر ... وكبر وازداد حجمه حتى امتلأت به كل الزوايا هل تدرون أني رأيت يومها داخل شقوق الجدران وحتى داخل جحور الفئران التي طالما حلمت أن أرى مابداخلها ........ كأن تلك الكلمات كانت شمعة ظهرت من الأفق.......... كانت تلك الكلمات تتدحرج في كل الاتجاهات فتنبثق عنها أنوار ليس كمثلها .... في ذلك الوقت ولدت تلك المخالب من العدم وبدأت تتراكض لتلتقطها قبل أن تصل الآذان كانت تحصدها بكل وحشية .. وتلفها بقطع سوداء فتبهت أنوارها ثم تغيب وتتلاشى شيئا فشيئا ليعم الظلام وما عدت أرى سوى العويل والصراخ ..... فقد ثقبوا أذني وأبقوا على بقايا من حنجرتي وها أنا الآن استعملها فقط من اجل تمرير هذا الذ ي نسميه خمرا لبقايا دماغي..
تعلو الأصوات وقرقعة الكؤوس وصفع الأحذية للأرض ولم يعد يمكن تمييز صوت صاحب الحانة الذي لم يعد له وجودعلى الأرجح . فقد حمل على عاتقه البحث عن التيار, لإحضار النور موجودا , فقد تعود منذ أن فتح الحانة على استيراد كل أنواع الأوهام وتلميعها حتى تبدو كأنها حقيقية ومن ثم يبيعها على أنها جديدة بالرغم من أن أصحابها قد استهلكوها وأقلعوا عن استعمالها لقد أصبحت هيكلا فارغا من أي محتوى وعبئا لايطاق وها هو الآن يقدمها مرة ثانية فيتلقفها هؤلاء الذين سيعيشون فيها حياتهم دون تلميع أو تشذيب .
كان الهواء الذي دخل نقيا بالمقارنة مع مايملأ الحانة من جرَّاء خروج صاحب الحانة..... يبدأ أحدهم بالإقياء يتبعه آخر .... يتبعه آخر.... اقياء بالجملة ...؟؟!!
- أيها المخادع ياصاحب الحانة الغدار لقد أعطيتنا خمرا مغشوشا سوف أجعلك أمثولة وذكرى , سنصلبك ........ يتوقف كل شيء إلا الإقياء
- ستصلبونني !!؟ وماذا فعلت؟؟أدخلت إلى رئاتكم شيئا ما تعودتم عليه ولم أكن اقصد .. فقد غافلتني نسمة ودخلت فهل أُصلب ؟؟؟ سمعت أن احدهم اراد غسل صدور نتنة فصلبوه ......... وآخر رفع رؤوس بعضهم عن المقصلة فصلبوه ..... فهل تترك الصدور لتتعفن والرؤوس لتقطع فتحرق الصلبان .
- انظروا ابن الـ..... يشبه نفسه بالـ ...... هؤلاء سعوا بعزيمة وإرادة إلى الصلبان وأما أنت فتعافك حتى ظلالها . يتوقف القيء فقد عادت الحانة إلى أصولها
- أظنك خرجت لتعود متأبطا حزمة من نور ؟
- نعم حاولت ولكن يبدو أن النور تآمر معهم وعبثا حاولت إحضاره , فقد شعر بالدفْ في أحضانهم أعطوه ألوانا زاهية وأشكالا متنوعة تتناسب مع كل الانتماءات والحالات واني أنذركم أن حافظوا على بقايا حواسكم فهم قادمون سمعتهم يتداولون حول بقاياها عندكم يريدونها حتى وان كانت ِرمم متفسخة
- هل سيقطعون الصدقات
- نعم ..... حتى إنهم سيحيلون خمارتي إلى معارض براقة بما تحويه من حقائق
- واهمون ..... فماعادت هناك سلع تتباهى بأصولها ... يسقط احدهم يقترب آخر ليعيده جالسا أو واقفا فلايستطيع يدل لهاثه المتصاعد على الجهد المبذول في ذلك ولكن دون جدوى يتلمس جاره الجسد المسجى ويصيح
- يالك من أحمق لقد سحقت يده أنت تدوس على أصابعه وتقتلع مابقي من أظافره ..... تنحى قليلا
- تدينني أيها أيها السافل إني أحاول مساعدته أما أنت فقد كنت آلة صدئة حين باشرت بسلخ بعضا من جلده وسمل عينه الآن بدأت تشعر بانسانيته ...........
- ابتعد قليلا عن يده
- أنت تجلدني بسياطك إني انحني كي اجعله واقفا
- الآن لقد فات الأوان أما انحناؤك فهو تشوه خلقي لن تستطيع أن تكون غير ذلك ولن يستطيع هذا التشوه إصلاح تشوه آخر......... أو أن يساعد آخر على الوقوف ....
أصوات في الخارج همهمات ملتبسة, تُفتح الأبواب لكن النور يقف عند العتبات يحاول الجميع الخروج لكن .... يبدو أن الأوان قد فات وتركهم -الذين يملكون الأرجل المربوطة دائما بياطر ملاح لايعرف التعب- يعودون فقد يجدون زاوية يلتجئون اليها فيجدون أن الجدران تخلت عن زواياها تتأرجح منتظرة .....
ربما في يوم من زمن ما وبنفس المكان تستطيع تلك الجدران ترميم نفسها ونسيان كل تلك الجثث المكومة التي تاه عنها انتماؤها
انتهى